يعتبر ابن تيمية من كبار علماء الدين و الشريعة و من أهم الشخصيات التاريخية تأثير في صياغة و تأسيس الفكر الأصولي الدغمائي الإسلامي و فقا لقواعد و مناهج ابتدأها أحمد بن حنبل و ثبتها و أقام أركانها ابن تيمية الذي أطلق عليه لقب شيخ الإسلام تعظيما لشأنه و تقديرا لعلمه .
و يكمنا تلخيص مطروحات ابن تيمية و تشكيل الهيكلة البنيوية لفكره بنقاط بارزة لا يخرج من إطارها التوجه العام لما جاء به و قدمه :
1 – الوقوف ما أمكن عند ظاهر النص و عدم السعي للتأويل و التفسير خارجه إلا للضرورة في حال تعارض النصوص أو مجازيتها مثال ؛
( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ) سورة المجادلة الآية 6
و اعلموا أن فيكم رسول الله ))سورة الحجرات الآية 6
2 - المرجعية و السند في أصول العلم و الفقه الشرعي الديني محصورة في القرآن الكريم و السنة النبوية و فقا لفهم و منهج الصحابة ، و كل فهم أو تفسير للقرآن أو السنة النبوية لا يستند إلى أقوال أو أفعال الصحابة بدعة محدثة
3 – التركيز على العقيدة و محاولة تنقية معتقدات المسلمين من كل ما يشوب أو يعكر صفو التوحيد الخالص بمفهومه الشامل و العام المتجاوز لحدود العمل الظاهر إلى النوايا و المشاعر القلبية و الوجدانية ( كتاب العبودية )
4 – إبقاء راية الدعوة و الجهاد مرفوعة و حاضرة في حياة الأفراد و الشعوب و الدول الإسلامية ( الجهاد ماض إلى يوم القيامة ) من مات و لم يغزو و لم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق )
رأس الأمر الإسلام و ذروة سنامه الصلاة و عاموده الجهاد )
5 – تطبيق الحدود بحذافيرها بل و التشدد فيها من رجم و قطع و جلد و تعزير و نفي و تطبيق حد الردة بعد الاستتابة و عد تارك الصلاة كافرا مرتدا يستتاب فان لم يرجع يقتل ( كتاب السياسة الشرعية في لإصلاح الراعي و الرعية )
6 – التأكيد على تفرد و خصوصية و أفضلية و خيرية المسلمين في عاداتهم و تقاليدهم و كل ما يرتبط
بحياتهم اليومية و المعاشة كالمأكل و الملبس و المشرب وغيره بعيدا عن مشابهة أو تقليد الشعوب و الأمم الأخرى و إدخال ذلك في صلب التدين و ممارساته
( كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم )
كتب و ألف و نشر ابن تيمية المتوفى عام 1328 آلاف الصفحات ( إبان سجنه في مصر ألف كتاب في التفسير و ضعه في أربعين مجلد ) و كان شديد الذكاء و اسع الإطلاع قارع خصومه بحدة و شدة و ضيق الخناق على معارضيه بحجته و قوة أسلوبه .
لم يكن ابن تيمية اسما لامعا أو مطلوبا في أواسط المتدينين نخبة و عامة بل و كان لفترات طويلة منبوذا من مشايخ المساجد و خطباء الجمعة و كان يعد خطرا على الدين لدى العامة في مشرق البلاد العربية و مغربها بعد انتشار الوهابية في ربوع الجزيرة العربية . وجد محمد بن عبد الوهاب -1703 - 1792 ملاذا في فكر ابن تيمية و سندا لدعوته و أفكاره و تبنى مطروحا ته و آراءه المتشددة حيال الصوفية و إتباع الطوائف الإسلامية الأخرى و رفع السيف في وجه المخالفين و عد الخارجين عن نهج التوحيد الذي يدعو إليه كفارا يحل قتالهم و قتلهم .
كما و جد أسامة بن لادن في أصولية و سلفية ابن تيمية منهجا إسلاميا صرفا و دعوة شرعية مستندة إلى الكتاب و السنة فأحيا مشروعه ألجهادي و تمسك باجتهاداته في وجوب مقارعة الكفار من الصليبيين و اليهود و قتالهم و إعلان حالة الجهاد العامة المفروضة على كافة المسلمين في كل بقاع الأرض . حتى غدا ابن تيمية الاسم رقم واحد في أجندة الفكر الأصولي ألجهادي العنيف ، الذي عد إ رهاب الكفار و عملائهم و أعوانهم عملا مستحبا يتقرب به إلى الله و يستعجل به طريق الجنة .
ما الذي قدمه ابن تيمية للمسلمين ؟ :
الواقع أن ابن تيمية مع كل قدمه من مناقشات و جدال و مؤلفات لم يعرض للمسلمين أو غيرهم جديدا بل كان ديدنه و جل عمله العودة بالحياة إلى الوراء و تأكيد مسلمات تمام الدين و كماله ( لا يصلح أخر هذه الآمة إلا بما صلح به أولها و لم يصلح أولها إلا بالكتاب و السنة )
( ما تركت شيئا يقربكم من الله إلا دللتكم عليه وما تركت شيئا يبعدكم عنه إلا نهيتكم عنه )
هذه المسلمات و تلك البنية الأساسية للفكر و الفقه لم تأتي بنظرية أو منهج أو مدرسة قادرة على التطلع للحاضر و المستقبل بل هي قطار حديدي صلب و قوي يهدر بضجيج عال يدمر من و ما يقف في وجهه مهمته الأولى العودة بالحاضر إلى الماضي و إغراق المستقبل بالموروث.
لم يستطع ابن تيمية تقديم نظام سياسي متجدد أو متطور للحكم في الإسلام ، بل أصل و قعد ما نقل عن السلف الصالح و أحكم القيد حول ما يمكن إبداعه أو خلقه من نظريات مرنة قابلة للتطور و التغير و الحياة .
لم يقدم ابن تيمية نظاما أو نظرية إسلامية للاقتصاد ذات أبعاد تنموية تطرح الحلول لمشاكل الندرة و علاقات الإنتاج و التوزيع و لم يستقي منه الآخرون أساليب و طرق لتجاوز الفقر و التخلف و العجز الذي تعاني منه البلدان الإسلامية و العربية بل على العكس تماما لم تتبلور بوادر الانتعاش في العالم الإسلامي إلا بعد تنحية مناهجه طرائقه , فالبلدان الآسيوية الإسلامية "تركيا و ماليزيا " عرفت الازدهار و النمو بعيدا عن الأصولية السلفية و أنظمتها المحدودة ، و في المقابل قدم النموذج الطالبني
الأصولي السلفي صورة سلبية للغاية عما يمكن تقديمه من خلال التقوقع داخل مدرسة ابن تيمية .
كذلك لم يشق طريقا للتربية أو علوم الاجتماع خارج النقول بل زاد في الانغلاق بتخطيء و تحريم كل فهم لم ينقل عن مجموع الصحابة أو أحدهم , في حين نجد علماء إسلاميين آخرين و سعوا آفاق العلم و المعرفة فأبدعوا علوما و فنونا استفادة منها الحضارة البشرية كابن رشد و ابن خلون .
لقد كان أسامة ابن لادن من أشد المعجبين بابن تيمية و من أكثر المتتبعين لنهجه أخلاصا و و فاءا و تطبيقا ، و تمسكت التنظيمات الجهادية العنيفة بأقوال و كتابات ابن تيمية و اعتبرتها المرجع الأول و الأهم في بناء كيانها التشريعي و الفكري . لم يقدم و لم يساعد و لم يهيئ ابن تيمية لبناء نظام دولة مدنية بما تحتاجه من قانون مدني و قضائي في حين نجد أن مجلة الأحكام العدلية التي قام عليها القانون المدني في الدولة العثمانية ابتعد عن ابن تيمية و احتكم إلى المذهب الحنفي الذي يعد مذهب أهل الرأي المناهض لمذهب ابن تيمية
و الزم المسلمين في كل زمان و مكان بعدم البحث أو التطلع خارج المنقول و اعتبر المعقول هو ما نص عليه المنقول و كل ما خالف صحيح النقل خالف صريح العقل ( كتاب موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) و بذلك حجم و حد و أنهى مهمة أو و ظيفة العقل خارج النص و ما دار في فلكه .
لقد كانت حياة ابن تيمية و آثاره و مؤلفاته و مواقفه في محاربتة المغول و مقارعة السلطان و الخروج عليه محل إعجاب و تقدير للكثيرين الباحثين عن عودة الأمجاد و العز الضائع .
و كان لبعض فتاوى و أراء ابن تيمية آثار سلبية جدا على المجتمعات الإسلامية
بدأ من إسناد تحول الآلاف من الشباب المسلم إلى العنف و الإرهاب المشروع و القتال حيثما توفرت ساحة لمواجه الكافرين أيا كانت جنسياتهم و أعراقهم و صولا إلى الاعتقاد بتدخل الجن في حياة البشر اليومية و المعاشة و سنه و تشريعه لضرب الرجل أو المرأة المعرضة للمس من الجن حتى يخرج الجن من جسم الآدمي و عرف من ابن تيمية انه كان يضرب الممسوسين و هو يقول اخرج يا عدو الله .
لقد كان لشيخ الإسلام تأثير سلبي جدا في موقف إتباعه من الشعوب الأخرى غير العربية و سماهم الشعوبيون و عد التحدث بغير العربية لمن يعرفها نفاقا .
كما ساهم و قعد للتفرقة الطائفية بنصه على أن الشيعة قوم لا عقل لهم و لا دين لهم و كفر طوائف أخرى من المسلمين و سماهم النصير يين و قدم يذلك الفتوى الشرعية للإخوان المسلمين في سوريا إبان سبعينيات القرن الماضي لافتعال العنف و تبرير القتل . و رسخ ابن تيمية للقطيعة و الفصل العنصري بين المسلمين و إتباع الديانات السماوية الأخرى بما أكده من و جوب مخالفتهم و عدم التشبه بهم و اعتبار محبتهم و موالاتهم كفرا .
لقد أغرق ابن تيمية العبادات الإسلامية بمتقيدات ظاهرية معقدة أفقدتها روحية الصلة بالخالق و حرم سعي الإنسان الطبيعي للتقرب من الله خارج الضوابط الظاهرية التي استنتجها من النصوص و ضيق الزمام على النزعة الروحية الصوفية للإيمان .
_________________
مغراوي عزالدين